ماذا لو تمهلنا؟ وهل وعينا الدرس؟
من اعداد زين العابدين كامل
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فإن المؤمن لا بد أن يستفيد من تجارب سابقيه، والعاقل يستفيد من الماضي للحاضر؛ لذلك قص الله علينا في القرآن العظيم قصص مَن كانوا قبلنا؛ لنتعلم من تجاربهم.
وتأمل حال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في رحلة المعراج... لقد استفاد من تجربة موسى -عليه السلام- مع قومه، فعندما فرض الله عليه خمسين صلاة في اليوم والليلة قال له موسى -عليه السلام-: (إِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تَسْتَطِيعُ خَمْسِينَ صَلاَةً كُلَّ يَوْمٍ، وَإِنِّي وَاللَّهِ قَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ، وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ المُعَالَجَةِ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لأُمَّتِكَ... ) (متفق عليه)، وهنا عاد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى ربه، وسأله التخفيف حتى خمس صلوات في اليوم والليلة؛ فتأمل كيف استفاد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ممن سبقه في الدعوة والرسالة.
وكذلك همَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- أن ينهى عن الغيلة "الجماع في فترة الرضاع"، فتذكر فارس والروم وأنه لا يضرهم؛ فلم ينه عن ذلك، قال -صلى الله عليه وسلم-: (لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَنْهَى عَنِ الْغِيلَةِ فَنَظَرْتُ فِي الرُّومِ وَفَارِسَ، فَإِذَا هُمْ يُغِيلُونَ أَوْلادَهُمْ، فَلا يَضُرُّ أَوْلادَهُمْ ذَلِكَ شَيْئًا) (رواه مسلم).
وهل تدبرنا وتأملنا ما كان يوم الأحزاب... وكم استفاد المسلمون من اقتراح سلمان الفارسي -رضي الله عنه-؟! "وذلك يوم أن خرجت قريش وقائدها أبو سفيان بن حرب، وخرجت غطفان وقائدها عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر في بني فزارة، والحارث بن عوف بن أبي حارثة المري في بني مرة، ومسعر بن رخيلة بن نويرة بن طريف فيمن تابعه من قومه من أشجع.
فلما سمع بهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبما اجتمعوا له من الأمر ضرب الخندق على المدينة، وكان الذي أشار على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بحفر الخندق سلمان الفارسي -رضي الله عنه-، وكان أول مشهد شهده سلمان مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يومئذٍ حر، فقال: يا رسول الله إنا كنا بفارس إذا حصرنا خندقنا علينا، فعمل فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمسلمون حتى أحكموه". فهكذا يكون المؤمن كيِّسًا فطنًا، يبدأ من حيث انتهى الآخرون.
وقد مر علينا درس بليغ... ألا وهو: "مسألة اختيار مرشح لرئاسة الجمهورية"، وأخذ كثيرون على بعض المشايخ تأنيهم أو تأخرهم في الاختيار، وهناك مَن أعلن غضبه، وهناك مَن انفصل عن الكيان الدعوى أو الحزبي، وهناك مَن أعلن تأييده لأحد المرشحين، بل هناك من قدح وخاض في نوايا بعض مشايخنا! وقد مرت الدعوة في تلك الفترة بحالة مِن الاحتقان الشديد؛ نظرًا لعدم معرفة البعض بفقه الخلاف، وأنه يسعنا الخلاف في مسائل الاجتهاد.
ثم ها هي الأيام تمر... والأحداث ورائها، ويتم استبعاد بعض المرشحين من أكثر المرشحين شعبية وتأييدًا، وهم مِن الذين انقسم الناس بسببهم، وتبيَّن للقاصي والداني أنه لا بد من التأني وعدم العجلة، فمن الصفات التي يحبها الشيطان العجلة؛ لأنها توقع الإنسان في كثير من الأخطاء، يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (التَّأَنِّي مِن الله والعَجَلَةُ مِنَ الشَّيْطانِ)) (رواه أبو يعلى في مسنده والبيهقي السنن الكبرى، وحسنه الألباني).
فعلينا أن نخالف الشيطان في ذلك، ونتبع ما يرضي الرحمن -عز وجل-؛ ولذلك قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- لأشج عبد القيس: (إِنَّ فِيكَ لَخَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ: الْحِلْمُ وَالأَنَاةُ) (رواه مسلم). والعجلة هي فعل الشيء قبل وقته اللائق به. وكانت العرب تكني العجلة: "أم الندامات"، وقال مطرّف: "سيأتي على الناس زمان خيرهم في دينهم المتأني".
ويدل على ذلك ما حدث يوم غزوة أحد، والقصة في ذلك: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى في منامه: أنه لبس درعًا حصينة حين نزل المشركون بأحد، فأولها على المدينة وشاور أصحابه في الخروج إلى أحد، وكان رأيه هو أن يتحصنوا بالمدينة فإن دخلها العدو عليهم قاتلوه على أفواه الأزقة والنساء من فوق البيوت، ووافقه على هذا الرأي أكابر المهاجرين والأنصار "وكان هو الرأي"، وأشار جماعة من الصحابة أكثرهم من الأحداث والشباب، وممن كان فاتهم الخروج يوم بدر بأن يخرج إليهم لشدة رغبتهم في القتال، فما زالوا يلحون على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وخوفًا من أن يطول النقاش وتتعرض وحدة الصف المسلم للخطر، وتلبية لنداء الشباب المتحمسين للقتال والشهادة - دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلبس لأمَتهُ "لباس الحرب" بعد صلاة الجمعة، وكان قد أوصاهم في خطبته ووعدهم بأن لهم النصر ما صبروا، ثم خرج عليهم وقد ندم الناس، وقالوا: استكرهنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم يكن لنا ذلك، فقالوا له: استكرهناك يا رسول الله ولم يكن لنا ذلك فإن شئت فاقعد، فقال: ما كان لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه، ثم كان ما كان من استعجال الرماة ونزولهم من أعلى الجبل، وهزم المسلمون في أحد".
فهل تعلمنا من الدرس؟!
ماذا لو صبرنا؟!
ماذا لو تمهلنا؟!
لا بد أن نحافظ على وحدة الصف والكيان مِن التصدع.
احذروا من الفرقة وكونوا عباد الله إخوانًا، فقد نهى الله -تعالى- عن الفرقة، فقال: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا) (آل عمران:103)، وقال الله -تعالى-: (وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (الأنفال:46). فنهى الله -جلَّ وعلا- المؤمنين في هذه الآية الكريمة عن التنازع، مبينًا أنه سبب الفشل وذهاب القوة، وقوله: (وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) أي: قوتكم. (وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ): فلا بد أن نتعلم الصبر، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ) (متفق عليه).
ولقد صدق من قال:
فلا تخدع بأول ما تراه فأول طالع فجر كذوب
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.